*فورت نوكس والذهب المفقود*
ناجي الغزي/كاتب سياسي
عاد الجدل مجدداً حول احتياطي الذهب الأمريكي المخزن في "فورت نوكس" بولاية كنتاكي، وذلك بعد تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي أعلن عزمه زيارة "فورت نوكس": للتحقق من وجود الذهب هناك. هذه التصريحات أثارت موجة من التكهنات والتساؤلات حول ما إذا كان الذهب لا يزال موجودًا في الخزائن، أم أنه قد تم بيعه أو استبداله بمعادن أخرى على مدى العقود الماضية.
*"فورت نوكس"مستودع الذهب الأسطوري*
"فورت نوكس" هو منشأة محصنة وآمنة للغاية تابعة لوزارة الخزانة الأمريكية، تم بناؤها عام 1936 لتخزين احتياطيات الذهب التي كانت تدعم الدولار الأمريكي في ذلك الوقت. تقع في منشأة عسكرية من حقبة الحرب العالمية الأولى على بعد 56 كيلومتراً جنوب لويزفيل، أكبر مدينة في ولاية كنتاكي.
سُمي على اسم هنري نوكس، أول وزير حرب أميركي، وأُنشئ معسكر نوكس عام 1918 قبل أن يصبح قاعدة عسكرية دائمة، وتم إعادة تسميته إلى فورت نوكس في ثلاثينيات القرن الماضي. ويقال إنها تحتوي حالياً على 147 مليون أوقية من الذهب، أي ما يعادل نحو 5000 طن، بقيمة تقديرية تتجاوز 433 مليار دولار وفقاً للأسعار الحالية. وقد استقبل فورت نوكس أول شحنة من الذهب، عام 1937.
لكن فورت نوكس لم يكن مجرد مكان لتخزين الذهب، فخلال الحرب العالمية الثانية، كان يحفظ الوثائق الأساسية، مثل إعلان الاستقلال، والدستور، بالإضافة إلى ممتلكات ثمينة لحكومات أخرى.
*تصريحات ترامب وزيارته المحتملة*
في تصريحات مثيرة للجدل، قال ترامب: "نحن ذاهبون أنا وأيلون ماسك إلى فورت نوكس لنرى إن كان الذهب هناك، لأنه ربما قام شخص ما بسرقة الذهب. كميات هائلة من الذهب".
تصريحاته جاءت بعد تزايد الشكوك حول مدى شفافية الحكومة الأمريكية بشأن احتياطي الذهب، خاصة أن آخر تدقيق رسمي شامل للذهب في "فورت نوكس" جرى عام 1953، ولم يتم السماح للمدققين المستقلين بالتحقق منه منذ ذلك الحين. وقد أدت هذه التصريحات إلى انضمام شخصيات بارزة مثل إيلون ماسك وعضو مجلس الشيوخ الجمهوري راند بول إلى المطالبة بإجراء تدقيق مستقل.
وقال ماسك في منشور له على منصة "إكس" من الذي يؤكد أن الذهب لم يُسرق من فورت نوكس؟ ربما هو هناك، وربما لا. هذا الذهب مملوك من قبل الشعب الأميركي! نريد أن نعرف إن كان لا يزال هناك."
*هل ما زال الذهب موجوداً في "فورت نوكس"؟*
تدور العديد من نظريات المؤامرة حول هذا المستودع، إذ يعتقد البعض أن الحكومة الأمريكية قد استخدمت احتياطي الذهب في تمويل مشاريع سرية، أو أنه قد تم استبداله بمعادن أخرى مثل "التنجستن" المطلي بالذهب خلال الأزمة المالية في السبعينيات.
وفي عام 1974، نظمت الحكومة الأمريكية جولة محدودة لمجموعة من الصحفيين وأعضاء الكونغرس داخل "فورت نوكس" لطمأنة الرأي العام، لكن البعض انتقد ذلك مؤكدين أنهم لم يتمكنوا من رؤية سوى جزء صغير من الاحتياطي. وفي 2017، زار وزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوشين المنشأة وغرد قائلاً: "أنا سعيد لأن الذهب آمن!"، ما زاد من التكهنات بدلاً من تهدئة الشكوك.
*التحول نحو البيتكوين كاحتياطي نقدي*
مع تصاعد التساؤلات حول احتياطي الذهب، اقترح ترامب والكونغرس الأمريكي إمكانية جعل البيتكوين احتياطياً نقدياً للفيدرالي الأمريكي. ومن هنا صوتت اغلب الولايات الامريكية على ان تجعل من البتكوين مصدر احتياطي نقدي للفيدرالي الامريكي.
وبانتظار اصدار هذا القرار من قبل الرئيس ترامب بان يجعل البتكوين احتياطي نقدي. ووفقاً لبعض التقارير، فإن الولايات المتحدة تسعى إلى جمع مليون وحدة بيتكوين خلال السنوات الخمس المقبلة كجزء من استراتيجيتها المالية.
يُعتقد أن إعلان ترامب عن عدم وجود الذهب في "فورت نوكس" قد يؤدي إلى قفزة هائلة في أسعار الذهب، وربما تتضاعف قيمته أربع مرات. هذا الارتفاع قد يدفع العالم إلى البحث عن بدائل نقدية أكثر استقراراً، مما يزيد من الاعتماد على العملات الرقمية مثل البيتكوين. ونتيجة لذلك، قد تضطر الدول إلى استحداث عملات رقمية ثابتة خاصة بها واستخدامها كاحتياطي نقدي.
*التأثيرات المحتملة على الأسواق العالمية*
1. تذبذب أسعار الذهب: إذا تم تأكيد فقدان جزء كبير من احتياطي الذهب، فقد يؤدي ذلك إلى ارتفاع حاد في أسعاره، مما يعزز الطلب على المعدن الثمين كملاذ آمن.
2. تعزيز العملات الرقمية: قد يشهد البيتكوين والعملات الرقمية الأخرى طلباً متزايداً، مما قد يدفع الدول إلى تسريع تبنيها كجزء من احتياطياتها النقدية.
3. تقلبات في قيمة الدولار: فقدان الثقة في احتياطي الذهب قد يؤدي إلى ضعف الدولار الأمريكي، مما قد يزيد من التضخم ويؤثر سلباً على الاقتصاد الأمريكي.
4. تغير التوازن الاقتصادي العالمي: قد تستفيد دول مثل الصين وروسيا، اللتان تعملان على زيادة احتياطياتهما من الذهب، من هذه الأزمة لتعزيز عملاتها المحلية وإنشاء أنظمة مالية أقل اعتماداً على الدولار.
تصريحات ترامب حول احتياطي الذهب في "فورت نوكس" أثارت جدلاً واسعاً في الأوساط الاقتصادية والسياسية، وأعادت إلى الواجهة التساؤلات حول الشفافية المالية للحكومة الأمريكية. في ظل تصاعد الاهتمام بالعملات الرقمية، قد يكون التحول نحو البيتكوين كاحتياطي نقدي خطوة تاريخية تغير مستقبل النظام المالي العالمي. ومع ذلك، يبقى السؤال المطروح: هل سيكشف ترامب عن مفاجآت جديدة خلال زيارته إلى "فورت نوكس"؟ أم أن هذا الجدل سيظل قائماً دون إجابة واضحة؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق