جاري تحميل ... صحيفة الاخبار الجديدة

اعلانت

أخبار عاجلة

إعلان في أعلي التدوينة

*بين إعدام صدام وإطلاق العلواني؟.. محطتان تُختبر فيهما هيبة الدولة وسطوة العدالة!*




بقلم : ناجي الغزي/كاتب سياسي


حين وقّع السيد نوري المالكي أمر إعدام صدام حسين في فجر عيد الأضحى، لم يكن ينهي حياة طاغية وحسب، بل كان يؤسس لمعنى جديد للعدالة في عراقٍ ظلّ لعقودٍ طويلة يُحكم بالنار والحديد. تلك اللحظة لم تكن لحظة انتقام، بل لحظة وعي تاريخي وقرار شجاع قطَع الطريق على من كانوا ينتظرون فرصة للمساومة، ممن أرادوا أن يُبقي صدام حياً كورقة تفاوض، أو زعيم ظل يُعاد استخدامه عند الحاجة.


كان المالكي يدرك أن إبقاء صدام حياً  يعني فتح أبوابٍ مشرعة للفتنة، ولإعادة إنتاج الطغيان، ولو بوجهٍ جديد. كان يعرف أن الدولة لن تُبنى في ظلّ ظلّه، وأن أي عفو أو تهاون بحقه سيكون خيانة صريحة لدماء آلاف الضحايا الذين أُعدموا، وسُحقوا، وشُرّدوا باسم سلطة فردٍ متغوّل. ولذلك، أقدم المالكي على ما عجز عنه كثيرون: إغلاق القوس الذي أراد البعض أن يظل مفتوحاً للصفقات والمقايضات.


وفي المقابل، انظر إلى نموذج أحمد العلواني. رجل لم يكن يملك وزنًا سياسياً ولا امتداداً اجتماعياً ، مجرد نائب سابق تلطخت يداه بدماء جنود الدولة العراقية، وضُبط وهو يقود تمرداً مسلحاً ضد الجيش. أُدين بجرائم موثقة، وكان يفترض أن ينال عقوبة الإعدام بحسب القانون العراقي، لكننا صحونا على مشهد مقلوب: العلواني يخرج من السجن، ويُستقبل استقبال الأبطال، وتُرمى عليه الحلوى وكأنه عاد من نصرٍ مجيد، لا من سجنٍ كان فيه بسبب جرمٍ ثابت.


الأدهى من ذلك، أن العلواني الذي نُقل من سجن الحوت في الناصرية بصفقات خفية، عاد اليوم يرفع دعوى قضائية ضد إدارة السجن، بحجة تعرضه للتعذيب والتحرش! أي استهتار هذا؟ أي وقاحة تجعل من قاتلٍ فارٍّ من العدالة ضحيةً يدّعي المظلومية؟ أين القانون من هذه المهزلة؟ أين الدولة من هذا الاستعراض الرخيص الذي يُطعن فيه القضاء من خاصرته، وتُصفع فيه العدالة أمام الجميع؟


المفارقة المؤلمة أن من نفّذ جريمة موثقة بالدم، خرج من السجن بدفع الدية من قبل خميس الخنجر، وكأن دم الجنود العراقيين سلعة قابلة للمساومة. ثم نُفاجأ بإعادة تدويره سياسياً تحت لافتة “المناضل” و”الرمز”، في محاولة فاشلة لخلط الباطل بالحق، ولتحويل سفّاحٍ إلى أيقونة شعبية مصنوعة بإعلام مضلل وأجندات لا تعبأ بالوطن ولا بدم أبنائه.


بين المالكي الذي واجه التاريخ بجرأة، فطبّق العدالة رغم الضغوط، وبين العلواني الذي عاد من بوابة الخيانة ليطعن العدالة من جديد، تتجلى الفروقات بين من يريد بناء دولة، ومن يتاجر بها. المالكي أنهى صفحة الطغيان ليحمي المستقبل، أما من أخرج العلواني، فقد مزّق صفحة العدالة، ووجّه رسالة خطيرة مفادها: أن الدم العراقي رخيص، وأن القتلة يمكنهم العودة نجومًا في نشرة الأخبار.

هذه ليست مجرد قضية فردية، بل قضية وطن بأكمله. فمن لا يحترم دماء شهدائه، لا يحق له الحديث عن مستقبل. ومن يتهاون مع القتلة، يُمهد الطريق لطاغية قادم بثوب جديد، وشعار جديد، وسكين أكثر حدة.

فلنحفظ تلك اللحظة التي اختار فيها المالكي أن يكون رجل دولة لا موظفاً سياسياً ، ولنقارنها مع لحظات الخزي التي يُعاد فيها تسويق الجناة كأبطال. فبهذا الميزان وحده تُقاس الأمم: بعدالتها، لا بشعاراتها.

هذا أحدث مقال.
رسالة أقدم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلان في أسفل التدوينة

إتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

جميع الحقوق محفوظة© صحيفة الاخبار الجديدة