جاري تحميل ... صحيفة الاخبار الجديدة

اعلانت

أخبار عاجلة

إعلان في أعلي التدوينة

*النظام السياسي في العراق: التحديات والفرص في بيئة إقليمية ودولية مضطربة*




بقلم- ناجي الغزي/كاتب سياسي


شهد العراق منذ عام 2003 تحوّلاً جذرياً في بنيته السياسية، حيث انتقل من نظام الحزب الواحد إلى نموذج ديمقراطي تعددي، يقوم على التنافس السياسي، والانتخابات الدورية، والفصل بين السلطات. ومع ذلك، فإن هذا التحوّل لم يكن سلساً، بل رافقته تحديات بنيوية وأمنية واقتصادية أثرت في مسار الديمقراطية العراقية، خاصة في ظل بيئة إقليمية ودولية مضطربة.

ومن أهم التحديات التي تواجه النظام السياسي والديمقراطية الوليدة في العراق

1. الانقسامات السياسية والطائفية:

رغم أن النظام الديمقراطي يُفترض أن يكون جامعاً لكل مكونات المجتمع، إلا أن العراق يعاني من انقسامات سياسية حادة على أسس طائفية وعرقية. هذه الانقسامات عززتها التدخلات الخارجية، فضلاً عن إرث الاستبداد السابق الذي لم يترك مجالاً لتطوير ثقافة ديمقراطية صحية. وقد أدى هذا الواقع إلى أزمات حكومية متكررة وصعوبة في تشكيل حكومات مستقرة.

2. التدخلات الإقليمية والدولية: تعد البيئة الإقليمية من أبرز التحديات التي تواجه الديمقراطية في العراق. فالتنافس الإيراني-الأمريكي، والصراع السعودي-الإيراني، بالإضافة إلى التدخل التركي في شمال العراق، كلها عوامل جعلت العراق ساحة لصراعات الوكلاء بدلاً من أن يكون دولة ذات سيادة تامة. هذا التداخل الإقليمي والدولي عرقل تطوير مؤسسات ديمقراطية مستقلة وأدى إلى استقطابات سياسية حادة بين القوى العراقية.

3. الفساد وضعف المؤسسات: يعد الفساد المستشري في مفاصل الدولة أحد أكبر العوائق أمام ترسيخ الديمقراطية في العراق. فالديمقراطية لا تقتصر فقط على إجراء انتخابات، بل تحتاج إلى مؤسسات قوية قادرة على ضمان سيادة القانون وتوزيع عادل للموارد. إلا أن العراق لا يزال يعاني من شبكات الفساد التي تستنزف ثرواته وتمنع أي إصلاح سياسي واقتصادي حقيقي.

4. الأزمات الأمنية وتهديد الجماعات المسلحة: رغم هزيمة تنظيم داعش عسكرياً ، لا تزال هناك جماعات مسلحة سائبة وغير مرتبطة بالمؤسسات الأمنية الحكومية وهذه تشكّل تهديداً  لاستقرار العراق، لكونها محط أنظار الولايات المتحدة الأمريكية، لكون البعض منها تعمل وفق أجندات سياسية خارجية، مما يؤدي إلى إضعاف سلطة الدولة وتقويض سلطة القانون. استمرار وجود هذه المجموعات خارج سلطة الدولة يهدد أي مسار ديمقراطي حقيقي، حيث يتم اللجوء إلى العنف أحياناً بدلاً من الحلول الديمقراطية.

5. الأزمة الاقتصادية وتأثيرها على الديمقراطية: الاقتصاد العراقي يعاني من الريعية الحادّة, حيث يعتمد بشكل كبير على النفط كمصدر رئيسي للدخل القومي، مما يجعله عرضة للتقلبات العالمية. ومع تراجع أسعار النفط في فترات معينة، وعدم تنويع الاقتصاد، يجد العراق نفسه في أزمات مالية تؤثر مباشرة على الاستقرار السياسي. فغياب العدالة الاقتصادية وارتفاع معدلات البطالة والفقر يولّد حالة من السخط الشعبي، وهو ما يهدد النظام السياسي عبر تعزيز النزعات الشعبوية أو اللجوء إلى أنظمة حكم غير ديمقراطية بحجة تحقيق الاستقرار.

*الفرص المتاحة أمام الديمقراطية العراقية*

1. الحراك الشعبي وديناميكية المجتمع المدني: شهد العراق خلال السنوات الأخيرة موجات احتجاجية واسعة، خاصة في عام 2019، حيث خرجت الجماهير للمطالبة بالإصلاحات السياسية والاقتصادية. ورغم القمع الذي واجهته هذه الحركات، فإنها أظهرت أن هناك رغبة شعبية حقيقية في بناء دولة ديمقراطية بعيدة عن الفساد والمحاصصة الطائفية. تصاعد الوعي السياسي لدى الشباب العراقي يمثل فرصة هامة لتصحيح المسار الديمقراطي إذا تم توظيفه بشكل صحيح.

2. الدور الإيجابي للانتخابات في تعزيز الديمقراطية: رغم التحديات التي واجهتها الانتخابات العراقية، إلا أنها تبقى عنصراً هاماً في تثبيت الديمقراطية. فكل دورة انتخابية تعكس مدى تطور أو تراجع الديمقراطية في البلاد. يمكن للعراق، عبر إصلاحات انتخابية تضمن نزاهة التصويت ومشاركة أوسع، أن يستفيد من الانتخابات كأداة لتعزيز الاستقرار السياسي وإنهاء حالة الجمود التي تسيطر على العملية السياسية.


3. إمكانية تنويع الاقتصاد ودعم التنمية: إذا تمكن العراق من تقليل اعتماده على النفط وتطوير قطاعات اقتصادية أخرى، مثل الزراعة والصناعة والسياحة، فإنه يمكن أن يبني نموذجاً اقتصادياً مستداماً يقلل من الأزمات المالية التي تؤثر سلباً  على الديمقراطية. فالتنمية الاقتصادية توفر بيئة أكثر استقراراً لتطور الديمقراطية، حيث يصبح المواطن أقل عرضة للابتزاز السياسي والاقتصادي.

4. إعادة بناء المؤسسات وتعزيز سيادة القانون: إصلاح المؤسسات العراقية، خاصة في مجالات القضاء ومكافحة الفساد، وهيكلة القطاع المالي والمصرفي والقطاع العام والخاص، يمكن أن يكون نقطة تحول في مسار الديمقراطية. فبناء دولة القانون وتعزيز استقلالية المؤسسات سيحدّ من التدخلات الخارجية والداخلية في الشأن السياسي، وسيساهم في خلق بيئة تنافسية نزيهة بين الأحزاب والقوى السياسية.

5. الاستفادة من التوازنات الدولية: في ظل الصراع الإقليمي والدولي، يمكن للعراق أن ينتهج سياسة خارجية متوازنة تستفيد من التعددية القطبية في النظام الدولي. فمن خلال تعزيز العلاقات مع قوى مختلفة وعدم الانحياز الكامل لأي طرف، يستطيع العراق تقليل الضغوط الخارجية التي تعرقل ديمقراطيته، وبدلاً من أن يكون ساحة للصراعات، يمكنه أن يصبح جسراً  للحوار بين القوى المتنافسة.

*مستقبل الديمقراطية في العراق*

الديمقراطية في العراق تواجه تحديات عميقة، ولكنها ليست مستحيلة التحقق. فبينما تقف الصراعات الإقليمية والتدخلات الخارجية والفساد كعقبات أمام التطور الديمقراطي، تبقى هناك فرص حقيقية للإصلاح عبر الحراك الشعبي السلمي، والإصلاحات السياسية الجادة التي تعتمدها النخب السياسية الحاكمة ، وتطوير الاقتصاد، وبناء مؤسسات قوية. إن مستقبل الديمقراطية في العراق يعتمد على قدرة النخب السياسية والمجتمع المدني على التفاعل  مع المجتمع وتحويل هذه الفرص إلى واقع ملموس، وعلى مدى استعداد الدولة للتعامل مع تحدياتها الداخلية والخارجية بحكمة ومرونة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلان في أسفل التدوينة

إتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

جميع الحقوق محفوظة© صحيفة الاخبار الجديدة