*قراءة في شهادة جيفري ساكس*
بقلم: ناجي الغزي/ كاتب سياسي
البروفيسور *جيفري ساكس* وهو أكاديمي أمريكي مرموق ومستشار سابق لعدد من الإدارات الأمريكية – ألقى محاضرة مؤخراً في جامعة هارفارد، كشف عن تفاصيل مثيرة تتعلق بالمخططات الأمريكية والإسرائيلية تجاه المنطقة العربية، لاسيما في العقدين الأخيرين. وتكتسب شهادة ساكس أهمية خاصة، نظراً لقربه من دوائر صنع القرار في واشنطن واطلاعه العميق على السياسات الأمنية والاستراتيجية للولايات المتحدة. ومن أهم هذه التفاصيل هي:-
*أولاً: عملية تمبر سيكامور*
أشار ساكس إلى وجود عملية سرية تحمل اسم "Timber Sycamore"، أطلقتها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) في عام 2012، وكان هدفها المباشر هو إسقاط الدولة السورية، وليس فقط الإطاحة بالرئيس بشار الأسد. ولفت ساكس إلى أن اختيار الاسم لم يكن عشوائيًا؛ فـ"Timber" تعني الخشب الهش، و"Sycamore" هي شجرة الجميز ذات الجذور العميقة، في إشارة إلى محاولة إضعاف كيان متجذر ولكن هشّ من الداخل.
ووفقًا لما ورد في المحاضرة، فإن قرار تنفيذ العملية بدأ عملياً منذ عام 2011، حيث تم إنشاء معسكرات تدريب في تركيا، وشاركت في العملية دول عربية إقليمية، مثل السعودية وقطر، وذلك بتنسيق مباشر مع الإدارة الأمريكية آنذاك.
*ثانياً: تدمير فرص الحل السياسي*
أوضح ساكس أن العملية لم تقتصر على دعم الجماعات المسلحة، بل تضمنت أيضاً إفشال أي حل سياسي يمكن أن ينهي الصراع السوري. وتمثل ذلك في فرض شروط تعجيزية على النظام السوري ضمن أي مفاوضات، بحيث يُستبعد التوصل إلى تسوية سلمية قابلة للتطبيق.
كما أشار إلى أن كوفي عنان، الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة، حاول التوسط بخطة انتقالية من خمس مراحل كان يمكن أن تنهي الأزمة خلال عامين، لكن هذه الخطة قُوبلت بالرفض من قبل الإدارة الأمريكية، رغم موافقة مبدئية عليها من جانب النظام السوري.
*ثالثاً: الفوضى المنظمة كأداة استراتيجية*
من أبرز ما كشفه ساكس هو اعتماد الإدارة الأمريكية – خصوصاً الديمقراطية – على نظرية مستمدة من علم الفيزياء تُعرف بالـ"كايوس" (chaos)، أي نشر الفوضى غير المنظمة في المجتمعات المستهدفة. الهدف من ذلك هو خلق وضع سياسي وأمني معقد يمنع تشكل الدولة ويعطل أي محاولة لإعادة البناء أو الاستقرار.
وتظهر ملامح هذه الاستراتيجية بحسب ساكس، في التعامل الأمريكي مع الملفات السورية، والعراقية، واللبنانية، وحتى التركية، حيث يتم دعم مجموعات متضادة، وإدامة النزاع الداخلي، دون وجود نية لحل فعلي.
*رابعاً: إسقاط دول الطوق على مراحل*
يرى ساكس أن العملية لم تكن موجهة لسوريا فقط، بل جاءت ضمن مخطط شامل لإسقاط دول الطوق العربي، عبر مراحل، وفق الترتيب التالي:
1. مصر : تم إسقاط نظام مبارك عام 2011.
2. سوريا : عبر تفكيك الدولة والدفع نحو الحرب الأهلية.
3. الأردن : عبر زعزعة الاستقرار واستهداف "وادي عربة" من خلال تحركات أمنية وإعلامية.
4. العراق : باستخدام ذريعة "الفصائل المسلحة" والتحضير لضربات وقائية.
5. إيران : بوصفها الهدف النهائي، من خلال قطع امتدادها الإقليمي و"إسقاط حلم الهلال الشيعي".
*خامساً: تركيا في مرمى المخطط*
وفي تحوّل لافت، حذّر ساكس من أن تركيا أيضاً مستهدفة ضمن هذا السيناريو، حيث يجري تحضير الأرضية السياسية والاجتماعية لإسقاط نظام الرئيس رجب طيب أردوغان، بطرق متعددة، سواء عبر الانتخابات، أو الأزمات الاقتصادية، أو سيناريوهات الاغتيال والانقلابات. ويصف ذلك بأنه "نتيجة حتمية" للدور التركي السابق في دعم المشروع الأمريكي عام 2011.
*سادساً: الدولة الدينية الكبرى*
يؤكد ساكس أن الهدف النهائي لهذا المخطط هو إقامة "الدولة الدينية الكبرى" لإسرائيل، والتي لا يمكن أن تتحقق إلا إذا أُحيطت بدول عربية ضعيفة، مفككة، ومرهقة اقتصادياً وسياسياً. ويرى أن كل التحركات الأمريكية والإسرائيلية منذ ما بعد الربيع العربي تصب في هذا الاتجاه، حتى وإن تغيرت الأدوات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق